بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 23 أكتوبر 2015

تعريف الفلسفة


الفلسفة كلمة مشتقة من اللفظ اليوناني فيلوصوفيا ، بمعنى محبة الحكمة أو طلب المعرفة. وعلى الرغم من هذا المعنى الأصلي، فإنه يبقى من الصعب جدا تحديد مدلول الفلسفة بدقة. لكنها، بشكل عام، تشير إلى نشاط إنساني قديم جدا يتعلق بممارسة نظرية و/أو عملية عرفت بشكل أو آخر في مختلف المجتمعات والثقافات البشرية منذ أعرق العصور.

وحتى السؤال عن ماهية الفلسفة "ما الفلسفة؟" يعد سؤالاً فلسفيّاً قابلاً لنقاش طويل، وهذا يشكِّل أحد المظاهر الأساسية للفلسفة في ميلها للتساؤل والتدقيق في كل شيء والبحث عن ماهيته ومختلف مظاهره وأهم قوانينه. لكل هذا فإن المادة الأساسية للفلسفة مادة واسعة و متشعبة ترتبط بكل أصناف العلوم و ربما بكل جوانب الحياة ، و مع ذلك تبقى الفلسفة متفردة عن بقية العلوم و التخصصات . توصف الفلسفة أحيانا بأنها " التفكير في التفكير " أي التفكير في طبيعة التفكير و التأمل و التدبر ، كما تعرف الفلسفة بأنها محاولة الإجابة عن الأسئلة الأساسية التي يطرحها الوجود و الكون .

شهدت الفلسفة تطورات عديدة مهمة ، فمن الإغريق الذين أسّسوا قواعد الفلسفة الأساسية كعلم يحاول بناء نظرة شموليّة للكون ضمن إطار النظرة الواقعية ، إلى الفلاسفة المسلمين الذين تفاعلوا مع الإرث اليوناني دامجين إياه مع التجربة و محولين الفلسفة الواقعية إلى فلسفة إسمية ، إلى فلسفة العلم و التجربة في عصر النهضة ثم الفلسفات الوجودية و الإنسانية و مذاهب الحداثة و ما بعد الحداثة و العدمية .

الفلسفة الحديثة حسب التقليد التحليلي في أمريكا الشمالية و المملكة المتحدة ، تنحو إلى أن تكون تقنية بحتة تركز على المنطق والتحليل المفهومي. وبالتالي فإن مواضيع اهتماماتها تشمل نظرية المعرفة، والأخلاق، طبيعة اللغة، طبيعة العقل. هناك ثقافات و اتجاهات أخرى ترى الفلسفة بأنها دراسة الفن و العلوم ، فتكون نظرية عامة و دليل حياة شامل . و بهذا الفهم ، تصبح الفلسفة مهتمة بتحديد طريقة الحياة المثالية و ليست محاولة لفهم الحياة . في حين يعتبر المنحى التحليلي الفلسفة شيئاً عملياً تجب ممارسته ، تعتبرها اتجاهات أخرى أساس المعرفة الذي يجب اتقانه و فهمه جيداً .


الفلسفة لفظة يونانية مركبة من الأصل فيليا أي محبّة وصوفيا أي الحكمة، أي أنها تعني محبة الحكمة و ليس امتلاكاً لها . تستخدم كلمة الفلسفة في العصر الحديث للإشارة إلى السعي وراء المعرفة بخصوص مسائل جوهرية في حياة الإنسان ومنها الموت والحياة و الواقع و المعاني و الحقيقة. تستخدم الكلمة ذاتها أيضاً للإشارة إلى ما انتجه كبار الفلاسفة من أعمال مشتركة.

إن الحديث عن الفلسفة لا يرتبط بالحضارة اليونانية فحسب ، لكنها جزء من حضارة كل أمة ، لذا فالقول "ما هي الفلسفة ؟" لا يعني إجابة واحدة . لقد كانت الفلسفة في بادئ عهدها أيام طاليس تبحث عن اصل الوجود ، والصانع ، والمادة التي اوجد منها ، أو بالاحرى العناصر الأساسية التي تكون منها ، وطال هذا النقاش فترة طويلة حتى أيام زينون و السفسطائيين الذين استخدموا الفلسفة في الهرطقة وحرف المفاهيم من أجل تغليب وجهات نظرهم ، لكن الفترة التي بدات من أيام سقراط الذي وصفة شيشرون بانة "انزل الفلسفة من السماء إلى الارض" ، أي حول التفكير الفلسفي من التفكير في الكون و موجدة وعناصر تكوينة إلى البحث في ذات الإنسان ، قد غير كثيرا من معالمها ، وحول نقاشاتها إلى طبيعة الإنسان وجوهرة ، والايمان بالخالق ، والبحث عنة ، واستخدام الدليل العقلي في اثباتة ، واستخدم سقراط الفلسفة في اشاعة الفضيلة بين الناس والصدق والمحبة ، وجاء سقراط و افلاطون معتمدين الاداتين العقل و المنطق ، كأساسين من أسس التفكير السليم الذي يسير وفق قواعد تحدد صحتة أو بطلانه
.


مفهــــوم العقل



من أعقد الإشكاليات التي تعالجها الفلسفة باعتبارها نتاجا عقليا تحديد مفهوم العقل. وسنحاول ضمن هذا المدخل أن نقوم بمقاربة أولية للسؤال ما هو العقل ؟ من خلال مختلف الدلالات.

يتأرجح مفهوم العقل في دلالته المتداولة بين عدة معان، بعضها يفيد التفكير السليم والحكم الصائب، وأساس الاختلاف بين الإنسان والحيوان؛ كما يحمل العقل معنى معياريا أخلاقيا، يفيد التعقل والابتعاد عن الشهوات البهيمية. لذا يصعب الارتكاز على التمثل الشائع لأن دلالاته يغلب عليها التعميم والتداخل بين مجالات متعددة : أنطولوجية وإبستيمية وقيمية أخلاقية. ومن ثمة سنحاول الوقوف عند التمثل اللغوي لعله يساهم في حل الإشكال.

إن العقل في الاصطلاح العربي مشتق من الفعل الثلاثي عقل، ويقال "عقل البعير" مثلا، إذا جمع قوائمها. هكذا سمي العقل عقلا لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك. ومن هذا يتضح أن العقل في التمثل المعجمي العربي يحمل معنى معياريا أخلاقيا باعتباره وازعا أخلاقيا.

أما في التمثل المعجمي الغربي فإننا نجد مرادفات عدة لكلمة عقل وتكاد كلها تعطي لمفهوم العقل بعدا إبستيميا محضا فالكلمة اليونانية لوغوس Logos تحمل من بين معانيها العلاقة الرياضية، والدراسة .. والكلمة اللاتينية Ratio تعني التفكير والحساب .. وكلمة Raison بالفرنسية تعني النسبة الرياضية بين عددين وتعني ملكة التفكير ..
إن التمثل الفلسفي لا يبتعد كثيرا عن التمثل المعجمي لمفهوم العقل. ففلاسفة الإسلام مثلا يميزون بين العقل الموهوب والعقل المكسوب؛ أو بتعبير آخر، بين العقل بالقوة والعقل بالفعل. فالأول يفيد الاستعداد الفطري لتحصيل المعرفة والثاني يفيد المعرفة المكتسبة.. وفي الفلسفة الحديثة نجد لالاند Lalande يميز بين معنيين للعقل : العقل المكون (بكسر الواو) والعقل المكون (بفتح الواو). أما الأول فالمقصود به الفكر الذاتي أو النشاط الذهني الذي يقوم به كل مفكر ؛ وأما الثاني فهو مجموع المعارف السائدة في عصر من العصور.