سورة الفتح مدنية نزلت على النبيّ محمد
بعد [صلح الحديبية] عام 6هـ وهو
في الطريق إلى المدينة ،نزلت بعد سورة محمد.
المسلمة في إبانه : فبين وقت نزولها ووقت نزول سورة ( محمد ) التي
تسبقها في ترتيب المصحف ، ثلاث سنوات ، تمت فيها تغيرات هامة وخطيرة في أحوال
الجماعة المسلمة في المدينة ، تغيرات في موقفها وموقف المناؤئين لها ، وتغيرات أهم
في حالتها النفسية وصفتها الإيمانية ، واستوائها على المنهج الإيماني في إدراك
ونضج يق .
والجو الذي نزلت فيه السورة هو الجو الذي اطمأنت فيه نفس الرسول - -
إلى إلهام ربه ، فتجرد من كل إرادة إلا ما يوحيه هذا الإلهام العلوي الصادق ، ومضى
يستلهم هذا الإيحاء في كل خطوة وفي كل حركة ، لايستفزه عنه مستفز ، سواء من
المشركين أو من أصحابه الذين لم تطمئن نفوسهم في أول الأمر لقبول استفزاز المشركين
وحميتهم الجاهلية ، ثم أنزل السكينة في قلوبهم ، ففاءوا إلى الرضى واليقين والقبول
الخالص العميق .
كما جاء في الافتتاح ، الامتنان على المؤمنين بالسكينة وتبشيرهم
بالمغفرة والثواب ، وعون السماء بجنود الله : ( هو الذي أنزل السكينة في قلوب
المؤمنين ليزدادوا إيماناً - مع إيمانهم - ولله جنود السماوات والأرض ) . ذلك
مع ما أعده لأعدائهم من المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات من غضب وعذاب
: ( ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ، الظانين بالله ظن
السوء ، عليهم دائرة السوء ،وغضب الله عليهم ولعنهم ، وأعد لهم جهنم ، وساءت مصيرا ) ..
ثم التنويه ببيعة رسول الله - –واعتبارها بيعة الله ، وربط قلوب
المؤمنين بربهم مباشرة عن هذا الطريق ، بهذا الرباط المتصل مباشرة بالله الحي
الباقي الذي لا يموت : ( إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيرا ، لتؤمنوا بالله
وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا ، إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ، يد
الله فوق أ يديهم ، فمن نكث فأنما ينكث علي نفسه ، ومن أوفى بما عاهد عليه الله
فسيؤتيه أجراً عظيما
)
وتختم السورة بالصفة الكريمة التي تميز هذه المجموعة المختارة من البشر
، وتفردها بسمتها الخاصة ، وتنوه بها في الكتب السابقة : التوراة والإنجيل ،
وبوعد الله الكريم بالمغفرة والأجر العظيم : ( محمد رسول الله ، والذين معه
أشداء على الكفار رحماء بينهم ، تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً
، سيماهم في وجوههم من أثر السجود . ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع
أخرج شطأه فآزره ، فاستغلظ ، فاستوى على سوقه ، يعجب الزراع ، ليغيظ بهم الكفار .
وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيما ) ..
وهكذا تصبح نصوص السورة مفهومة ، تعيش في جوها الذي نزلت فيه ، وتصوره
أقوى تصوير ،بأسلوب القرآن الخاص الذي لايفصل الحوادث بترتيبها وتسلسلها ، ولكنه
يأخد منها لمحات توجيهية وتربويه ، ويربط الحادثة المفردة بالقاعدة الشاملة ،
والموقف الخاص بالأصل الكوني العام . ويخاطب النفوس والقلوب بطريقته الفذة ومنهجه
الفريد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق